أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، في 28 مارس 2023، أن حكومته تجري حالياً مباحثات مع جيش تحرير أورومو، الذي تصنفه أديس أبابا ضمن الجماعات الإرهابية، بعدما وجهت له اتهامات بارتكاب عميات قتل جماعي ضد بعض الأقليات العرقية في المنطقة، ولاسيما الأمهرة، وهو ما يفتح الباب أمام إمكانية تكرار عملية السلام التي أجرتها الحكومة الإثيوبية مع جبهة تحرير تيغراي، في نوفمبر 2022، والتي أنهت بها حرباً أهلية استمرت لنحو عامين.
مباحثات سرية
يعمل جيش تحرير أورومو في ولاية أوروميا المضطربة بجنوب إثيوبيا، وهي أكبر الولايات الفدرالية في البلاد، حيث تسعى الجماعة للحصول على درجة أكبر من الحكم الذاتي. وشهدت الأشهر الأخيرة تصاعداً ملحوظاً في التوتر بين القوات الإثيوبية والمليشيات الموالية لها من ناحية، وجيش تحرير أورومو من ناحية أخرى، لكن يبدو أن ثمة مباحثات جارية في الوقت الراهن بين الطرفين لتسوية الصراع، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:
1- التواصل مع الجماعة المتمردة: أعلن آبي أحمد أن حكومته تولي اهتماماً لتسوية الصراع مع جيش تحرير أورومو سلمياً، لافتاً إلى أن حكومته شكلت لجنة مسؤولة عن قيادة عملية السلام، بقيادة نائب رئيس الحكومة، ديميكي ميكونين، وأن هذه اللجنة أجرت نحو عشر محاولات للتواصل مع الجيش خلال الشهرين الأخيرين، بيد أن الجيش يعاني من درجة عالية من اللامركزية، أي أنه ليس هناك قيادة مركزية يمكن التفاوض معها، وهو ما يزيد من صعوبة المباحثات.
وكان رئيس إقليم أوروميا، شيميليس عبديسا، قد دعا، في فبراير 2023، إلى الحوار والمصالحة مع جيش تحرير أورومو، بيد أن الأخير رفض هذه الدعوة، معتبراً أن القضية باتت تتجاوز نطاق الحكومة الإقليمية، وأن أي اتفاق للسلام يجب أن يكون مع الحكومة الفدرالية.
2- نفي جيش أورومو: نفى المتحدث باسم جيش تحرير أورومو، أودا طربي، صحة التصريحات التي أدلى بها آبي أحمد بشأن مباحثات السلام، مشيراً إلى غياب أي مباحثات مباشرة بين الجانبين، وموضحاً أن المحاولات الحكومية العشر للتواصل مع الجماعة تمت من خلال وسطاء محليين عمدوا للتواصل مع عناصر جيش أورومو لإقناعه بالاستسلام للقوات الإثيوبية، على غرار المحاولة السابقة للحكومة الإثيوبية، في عام 2019، كما انتقد الجيش ما وصفه بمساعي الحكومة الإثيوبية للترويج لغياب قيادة مركزية له.
وتجدر الإشارة إلى أن جيش أورومو قد انشق، في إبريل 2019، عن جبهة تحرير أورومو، بسبب رفض الأول نزع سلاحه لعدم ثقته في الحكومة الفدرالية ولجنة إعادة الإدماج المنبثقة عنها، والتي كانت تتشكل من شيوخ الأورومو وعدد من شخصيات المعارضة البارزة.
3- انخراط مشروط في عملية السلام: لوّح المتحدث باسم جيش أورومو بأن قادته مستعدون للانخراط في حوار مع الحكومة الإثيوبية، ولكن عبر وسيط دولي يتولى إدارة المباحثات لتعزيز فرص نجاح التوصل لاتفاق سلام، في إشارة غير مباشرة للولايات المتحدة، وذلك على غرار دورها في بلورة اتفاق السلام بين أديس أبابا وجبهة تيغراي، لذا أبدى جيش أورومو تفاؤلاً حذراً بشأن إمكانية التوصل إلى اتفاق سلام مع الحكومة الإثيوبية في المستقبل القريب.
دوافع داعمة
تعكس تحركات الحكومة الإثيوبية للحوار مع جيش أورومو جملة من الدوافع التي تستهدف تحقيقها من خلال هذه الخطوة، يمكن عرضها على النحو التالي:
1- مساعٍ حكومية للسلام: تعمل الحكومة الإثيوبية حالياً على تسوية الصراعات الداخلية بطرق سلمية، كما في اتفاقية بريتوريا للسلام المبرمة، في نوفمبر 2022، بين أديس أبابا وجبهة تحرير تيغراي، فضلاً عن تصويت البرلمان الإثيوبي، في 22 مارس 2023، على شطب الجبهة من قائمة الجماعات الإرهابية، الذي أعقبه صدور قرار من آبي أحمد بتعيين رئيس جديد للإدارة الإقليمية المؤقتة لتيغراي، وهو المتحدث السابق باسم جبهة تحرير تيغراي، غيتاتشو رضا، في خطوة شكلت توطيداً لاتفاق بريتوريا.
ويضاف إلى ما سبق قيام الحكومة الإثيوبية بالوساطة بين ولايتي العفر والصومال الإثيوبي، حيث تشهد الولايتان نزاعاً حدودياً ذي جذور تاريخية في المنطقة الفاصلة بينهما، والتي تشكل أهمية خاصة، لأنها تضم الطريق السريع والسكك الحديدية التي تربط بين أديس أبابا وجيبوتي، وقد تصاعد هذا النزاع إلى حد الاشتباكات بين الجانبين نهاية مارس 2023. ويتهم إقليم الصومال الحكومة الفدرالية بدعم العفر في نزاعهم الحدودي، لأن الأخيرة كانت جزءاً من تحالف أديس أبابا ضد جبهة تيغراي، بيد أن الحكومة تسعى حالياً لأداء دور الوساطة وإيجاد تسوية دائمة لهذا النزاع.
2- مساعي أحمد لتأمين سلطته: تستهدف تحركات آبي أحمد لتسوية النزاعات بالطرق السلمية تأمين سلطته في الداخل، سواء بسبب التكاليف الباهظة للحسم العسكري لهذه الصراعات، أو لكون هذا الحسم سيتمخض عنه حرب عصابات ممتدة تستنزف الجيش الإثيوبي، وتفرض عليه الانتشار المستمر والمتوازي في الكثير من المناطق المضطربة، وهو ما سيؤثر في النهاية في قدرة أديس أبابا على تحقيق النمو الاقتصادي، كما أن الحسم العسكري للصراعات سيزيد من الضغوط الدولية على آبي أحمد.
3- دعم أمريكي لاستقرار إثيوبيا: تسعى الولايات المتحدة للحفاظ على استقرار إثيوبيا، في ظل أهميتها الاستراتيجية للمصالح الأمريكية باعتبارها فاعلاً نشطاً في القرن الإفريقي المضطرب، غير أن هذا الدور تراجع خلال الحرب الأهلية التي شهدتها إثيوبيا خلال العامين الأخيرين، كما توترت العلاقة بين واشنطن وأديس أبابا بشكل كبير خلال هذه الفترة.
وتحرص الولايات المتحدة حالياً على استقرار الداخل الإثيوبي لضمان حليف مهم لواشنطن في المنطقة، فيما تسعى الحكومة الإثيوبية إلى استعادة اتفاقيات التجارة التفضيلية مع الولايات المتحدة، غير أن الأخيرة لا تزال تنتظر خطوات إثيوبية إضافية لتحقيق الاستقرار الداخلي، وهو ما أكدته مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الإفريقية، مولي في، كما أن زيارة وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، إلى أديس أبابا منتصف مارس 2023، استهدفت تحقيق الغاية ذاتها.
وعلى الرغم من وجود اتجاه داخل الإدارة الأمريكية يرى ضرورة تحميل الحكومة الإثيوبية مسؤولية جرائم الحرب والتطهير العرقي الذي شهدته البلاد فترة الحرب الأهلية، بيد أن ثمة اتجاه آخر داخل الإدارة، مدعوم من الرئيس جو بايدن، يرى ضرورة تعزيز التعاون مع أديس أبابا، ورفع القيود المفروضة على بعض المساعدات الأمريكية التي توقفت فترة الحرب، مع إعادة انضمام إثيوبيا لقانون "أغوا"، ودعم خطط إثيوبيا للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي لإعادة هيكلة ديونها.
وبالتالي، تشكل أديس أبابا أحد أبرز حلفاء واشنطن الذين تعول عليهم الأخيرة لتعزيز حضورها في القارة الإفريقية، خاصة في مواجهة تصاعد الدورين الروسي والصيني.
4- مراقبة الاتحاد الأوروبي للأوضاع: تسعى الحكومة الإثيوبية لاستقطاب استثمارات غربية لتعزيز اقتصادها المنهك بسبب الحرب، ولعل هذا ما عكسته التصريحات الأخيرة لمسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، والذي ألمح إلى أن دول الاتحاد تراقب عن كثب تطورات الأوضاع في أديس أبابا، وأنها ستستعيد علاقتها بالحكومة الإثيوبية بشكل تدريجي بناءً على التقدم المنجز بالفعل في تحقيق الاستقرار.
وأشارت وزيرتا خارجية ألمانيا وفرنسا للأمر ذاته خلال زيارتهما لأديس أبابا في يناير 2023. وفي هذا الإطار تشكل أوروميا أهمية اقتصادية كبيرة لأنها منطقة مرور روابط الإمداد الرئيسة لإثيوبيا مع ميناء جيبوتي، لذا تحرص القوى الأوروبية على تحقيق الاستقرار هناك لتأمين استثماراتها، وهو ما انعكس في تصريحات السفير الألماني في أديس أبابا والذي عبر عن قلقه من تأثير الأوضاع الأمنية المضطربة في أوروميا في الاستثمارات الغربية هناك.
فرص قائمة
في إطار المعطيات السابقة، هناك جملة من الانعكاسات المحتملة التي ربما تتمخض عن التحركات الراهنة للحكومة الإثيوبية، يمكن عرضها على النحو التالي:
1- انضمام جيش أورومو للسلام: يرجح انضمام جيش تحرير أورومو لمحادثات السلام مع الحكومة الإثيوبية في المستقبل القريب، في ظل الحديث عن تفاهمات غير معلنة جرت بين الجانبين خلال الأيام القليلة الماضية، بهدف إيجاد تسوية دائمة للصراع، كما يتوقع أن تلقى هذه الخطوة دعماً محلياً ودولياً كبيراً لأنها تدفع لتحقيق الاستقرار والسلام الدائمين في إثيوبيا.
2- وساطة أمريكية محتملة: لا يُستبعد أن تنخرط الولايات المتحدة، خلال الفترة المقبلة، في جهود الوساطة بين الحكومة الإثيوبية وجيش أورومو، ولاسيما وأن الأخيرة أعلنت تمسكها بوجود وسيط دولي موثوق كشرط للدخول في محادثات سلام مع أديس أبابا. ونظراً لوجود تقارير تتحدث عن محادثات غير معلنة بين الطرفين، لذا يرجح أن تكون واشنطن قبلت بالفعل أداء دور الوساطة بينهما، خاصة بعد زيارة بلينكن الأخيرة لإثيوبيا منتصف مارس 2023.
3- تهديد التحالفات القائمة: قد يؤدي سعي الحكومة الإثيوبية لحلحلة النزاعات الداخلية بالطرق السلمية إلى إعادة هيكلة التحالفات الداخلية في إثيوبيا. وعلى سبيل المثال، دعمت الأمهرة حرب الحكومة الإثيوبية ضد جبهة تيغراي، في ظل العداء التاريخي بين العرقيتين، ولذا نظرت الأمهرة إلى اتفاق بريتوريا للسلام بين جبهة تيغراي وأديس أبابا بنوع من الريبة والرفض، لأنه يهدد بتفكيك تحالفها القائم مع أسمرة وأديس أبابا، مع تصاعد القلق من تحوّل الوضع إلى صراع بين تيغراي والأمهرة، خاصة وأن أديس أبابا عينّت الجنرال، تاديسي ووريدي، قائد قوات تيغراي فترة الحرب الأهلية، في منصب نائب الرئيس الإقليمي للتيغراي. كما قد يؤدي توصل الحكومة الإثيوبية لاتفاق سلام مع جيش أورومو إلى زيادة حدة سخط الأمهرة.
وفي الختام، يسعى آبي أحمد لاستعادة صورته السابقة كصانع للسلام في المنطقة، وتوظيف الدعم الغربي الراهن، خاصة الأمريكي، لجهود تحقيق الاستقرار في إثيوبيا، ولذلك يرجح أن تتخذ الحكومة الإثيوبية خطوات إضافية لتسوية النزاعات الداخلية عبر الحوار والطرق السلمية، بالتزامن مع تحركات إثيوبيا الإقليمية في منطقة القرن الإفريقي لبلورة ترتيبات أمنية جديدة برعاية أمريكية، غير أن هذا لا ينفي وجود تحديات داخلية لا تزال تهدد نجاح هذه المساعي الإثيوبية، في ظل خريطة الصراعات العرقية المتأصلة في المشهد الإثيوبي، والتي لا يزال يصعب إيجاد حلول دائمة لها.